مقالات

إيقاع التغيير: عندما تتجاوز اللغة حاجز التفاهم في عالم إدارة إجراءات العمل

تحميل بصيغة pdf

أصل هذه النشرة مقال للخبير العالمي في مجال إدارة الإجراءات روجر تريقير، ترجمها فريقنا بتصرف. نُشر المقال ابتداءً في موقع (Business Rules Journal)، وهو موجود على هذا الرابط.

ملخص

في عالم إدارة إجراءات العمل، يُعد التفاهم المشترك جوهر النجاح. فبدون لغة مشتركة، يتحول التعاون إلى صراع، وتضيع الفرص لتحسين الأداء. لكن غالبًا ما نجد أنفسنا عالقين في فخ “اللغة المشتركة”، حيث تعيق الاختلافات الدقيقة في المصطلحات والتفسيرات بناء جسر تواصل متين. في هذا المقال، يتعمق روجر تريجر في استكشاف هذا التحدي، ويرشدنا نحو إيجاد أرضية مشتركة تتجاوز حواجز اللغة، لنتمكن من إجراء محادثات بناءة وتعزيز التعاون لتحقيق الأداء الأمثل.

“ماذا تعني الأسماء؟ فالوردة مهما سُمِّيَت بغير اسمها؛ ستفوح بالشذا ذاته”.

– وليام شكسبير

ما أهمية الأسماء؟

في صميم إدارة إجراءات العمل، ما هي أهمية الأسماء؟ ليست بذات القدر الكبير من الأهمية. المهم حقًا هو فهمنا العميق والمشترك لمختلف المفاهيم والمصطلحات. فالتفاهم المتبادل هو أساس كل تواصل فعال وناجح، ودونه تتحول المباحثات إلى محاولات عبثية للتلاقي من دون أرضية مشتركة.

عندما تبدأ الخلافات الجوهرية في الظهور في تصوراتنا وتعريفاتنا للمفاهيم الأساسية، تصبح مهمة بناء نماذج دقيقة لكيفية عمل المنظمات شبه مستحيلة. وبدون تلك النماذج، يصبح تحقيق تحسينات مستدامة في الأداء أمرًا بعيد المنال. ومهما بلغت صلابة وجوهر الشيء، فإن اللغة التي نستخدمها لوصفه تملك القدرة على تعزيز الفهم وسوء الفهم على حد سواء.

وفي مجال إدارة إجراءات العمل والمجالات ذات الصلة، غالبًا ما نجد أنفسنا “مفصولين بلغة مشتركة”، حيث تعيق الفروقات الدقيقة في المصطلحات والمعاني بناء جسر متين للحوار والتعاون. وبدون فهم مشترك؛ تصبح حتى المناقشات البناءة حول وجهات النظر المختلفة مستحيلة. وبالتالي، يظل تحسين الأداء حبيس دائرة الفوضى وعدم الفعالية.

إذن، بينما قد لا تحمل الأسماء أهمية كبيرة، تظل اللغة أداة قوية ومزدوجة الحَـدّ. وعليه، فإن بناء لغة مشتركة مُحكَمة في مجالات إدارة إجراءات العمل أمر ضروري لتجاوز حواجز سوء الفهم والوصول إلى تعاون مثمر وتطوير أداء المنظمات بشكل مستدام وفعال.

بعيدًا عن الإدارة والإجراءات والعمل… رحلة نحو فَهمٍ يتجاوز الأحرف

في حوار شيق على بودكاست “رائد الإجراءات” [1]، طرح مشارك سؤالًا عميقًا عن كيفية التعامل مع منظمة لا يحظى فيها مصطلح “إدارة إجراءات العمل” بأي قبول.

لم ترَ تلك المنظمة نفسها كـ “عمل/نشاط تجاري”، ولم يحبذ كبار المديرين مفهوم “الإجراءات” ولا يطرب سمعهم؛ إذ يعتقدون أنها تعيق إنجاز الأعمال الجيدة. أمَّا عن “الإدارة”؛ فهم يظنون أنهم بالفعل يديرون الأمور بكفاءة!

يبدو إذن أن مجال “إدارة إجراءات العمل”، في نظر تلك المنظمة، بمثابة الحقل القاحل الذي لا يؤتي أُكُلَه.

المصطلح الذي أراه أفضل وأجده أكثر شفافية ومعنى هو “الإدارة القائمة على الإجراءات”، فهو يعكس جوهر ما نهدف إليه، ويبتعد عن اختصار “إدارة إجراءات العمل” الغامض بالنسبة للبعض، والذي يتأرجح في أذهانهم بين مصطلحات البرامج الحاسوبية والفلسفات الإدارية.

“الإدارة القائمة على الإجراءات” ترويض أنيق للمصطلح، ويحل مشكلة حقيقية تتمثل في رغبة المنظمات ذات الرسالة المجتمعية في العمل بفعالية من دون أن تصف نفسها “شركة/عملًا تجاريًا”. لكن التحديان الآخران مازالا قائميْن.

فحين نحمل مشعل “الإدارة القائمة على الإجراءات”؛ يصعُب الهرب من مصطلح “إدارة الإجراءات”.

إذن، المهمة ليست تغيير الكلمات، بل بناء لغة واعية تعبر عن حقيقة عملنا، وتفتح أبواب حوارات جادة ومثمرة حول الإجراءات في كل أرجاء المنظمة.

بناء نماذج اتصال تفاعلية: مقاربة استراتيجية

منذ فجر الفكر الإنساني، طرح العلماء نماذج عدّة لتفسير سبل التواصل بين البشر. ومن أبرز المساهمات المبكرة في هذا المجال، نموذج أرسطو الذي يعود للقرن الرابع قبل الميلاد. وتتشابه معظم هذه النماذج في تحديدها لعناصر رئيسية تؤثر على فعالية عملية الاتصال، وهي: المرسِل، والمحتوى، والوسيلة/القناة، والمتلقِّي.

يبرز تأثر نجاح أي تواصل بمدى إدراك هذه العناصر وتوظيفها بطريقة مدروسة. وفي هذا الإطار، تذكّرنا الحكمة القائلة: “إذا تعثّر تعلُّم الطالب؛ فهو انعكاس لمعلم لم يؤد واجبه التعليمي على أكمل وجه” [2].

ولضمان نجاح التواصل مع أي جهة، لا سيما صانعي القرار على المستوى التنفيذي، ينبغي التركيز على ما يهمهم حقًا. إذ يتعلق الأمر بقضايا ملحة على غرار: التعمق في احتياجات العملاء، وإدارة المخاطر والتكاليف بكفاءة، وتعزيز المرونة والقدرة على التكيّف، وضمان الالتزام بالمعايير والقوانين.

وهذه هي المسائل التي تشغل بال أعضاء مجلس الإدارة عادةً، وبالتالي فإن صياغة خطاب تواصل يتناولها بعمق ويطرح حلولًا فعالة؛ يضمن استقطاب انتباههم وتحفيزهم على اتخاذ إجراءات ملموسة.

حوار بنّاء: تعزيز الأداء التشغيلي بالتعاون مع الزملاء

في قلب العملية الإنتاجية، حيث يجري إنجاز المهام الحيوية، تكمُن إمكانية هائلة لإحداث تحسينات جوهرية على مستوى الأداء. لترجمة هذه الإمكانية إلى واقع ملموس؛ نحتاج إلى إعادة صياغة حوارنا مع الزملاء العاملين في الخطوط الإنتاجية.

يأتي معظم الموظفين إلى العمل مُتحلّين بنية صادقة نحو الارتقاء بمستوى أدائهم وتحقيق أفضل النتائج. و خلال يومهم العملي، قد يصادفون تحديات أو فجوات في كفاءة بعض الإجراءات. هذه هي بالضبط اللحظات التي نستثمر فيها طاقات المبادرة وتحسين الأداء، بما يمكّننا من ابتكار حلول ترفع من كفاءة سير العمل وتعزز مردوده (وهو ما نسميه بتحسين الإجراءات).

يجب الاعتراف بأن المخاوف بشأن تقليص القوى العاملة قد تسيطر أحيانًا على أجواء العمل بعيدًا عن غرف الإدارة. لا بد من مواجهة هذه الهواجس بمنتهى الصراحة والشفافية.

يقع الكثير من الأفراد والمؤسسات في خطأ تأويل “تحسين الإجراءات” بتبسيط شديد على أنه مجرد “خفض القوى العاملة بنسبة 30٪”. بل هو عملية أعمق وأشمل تهدف إلى تحسين كفاءة العمل بأساليب شاملة لا تعتمد بالضرورة على تخفيض أعداد الموظفين.

إذن، كيف نحفز الزملاء على تبني نهج عمل يركز على التحسين المستمر ويستثمر طاقاتهم الإبداعية؟ مفتاح ذلك يكمن في:

  • مراعاة الرسائل المتبادلة: ليس فقط الكلمات، بل حتى الصمت يتحدث. علينا أن ندرك لغة التفاعل غير اللفظية ونوظّفها بفعالية.
  • التحدث بلغة مفهومة ومؤثرة: يجب أن يتناغم خطابنا مع اهتمامات الزملاء وخلفيتهم المهنية، وأن نستخدم مصطلحات واضحة تعكس جوهر القضية.
  • اعتماد قنوات اتصال مناسبة: قد لا تصل الرسالة بفاعلية عبر قنوات الاتصال التقليدية وحدها. علينا الاستفادة من قنوات محببة للزملاء (مثل منصات التواصل الداخلية أو اجتماعات ميدانية) لتعزيز الحوار والتفاعل.

بإعادة صياغة حوارنا مع الزملاء، وبناء جسور من الثقة والشفافية، يمكننا تحويل التحديات التشغيلية إلى فرص حقيقية للابتكار وتحقيق إنجازات نوعية. لنجعل حوارنا مع العاملين منطلقًا لرحلة مشتركة نحو تعزيز الأداء وترسيخ ثقافة التحسين المستمر في صميم العمليات الإنتاجية.

مفتاح التكامل: رحلة تحسين الإجراءات المشترَكة

يبرع التواصل الفعال في تجسيد لغته على نحو يتناغم مع أذن المستمع. وهذا أمر جوهري. ولكن مهما تنوعت المصطلحات، تبقى الإجراءات هي العمود الفقري لأي نقاش. لذلك، لا جدوى من تجنُّب الحديث عنها إلى الأبد.

لعل استخدام لغات متمايزة للتواصل مع كل شريحة داخل المنظمة يفتح آفاقًا رحبة. فمثلًا، يمكن أن نخاطب الإدارة بلغة “إدارة المخاطر”، والموظفين التنفيذيين بشعار “حل المشكلات”، وفريق المبيعات بمفهوم “سرعة التسليم”، والمشتريات بمنهجية “الالتزام بالسياسات”. وهكذا.

ولكن، سيأتي يوم يجتمع فيه الجميع تحت سقف واحد. وستبقى فرص التحسين قائمة، لكن ستفتقدون لغة موحدة تجمع رؤاكم. سنكون قد أخفقنا في غرس سلوكيات تعاونية ترتقي بإيجاد القيمة عبر مسار العملية بأكمله.

لا يمكن صناعة ثقافة إدارة إجراءات ناجحة من خلال أبراج أهداف منعزلة تتخذ مصطلحات غير مفهومة وسيلة للتواصل.

تحتاج رحلة تحسين الإجراءات إلى شرارة قوية، ويجب أن تتردد أصداء تلك الشرارة على رؤى الجميع. ولكن في نهاية المطاف، تكمن ضرورة التحدث بلغة مشتركة لكل من يُسهم في إيجاد القيمة عبر العملية بأكملها.

هدفنا هو تحقيق أداء متكامل لا تعوقه حدود المصطلحات والفواصل.؛ ليرسم مسارًا مشتركًا نحو التميز.

معضلة التواصل: إدارة الإجراءات أم تنفيذ الاستراتيجية؟

“لسنا شركة نمطية. ولا نحب الإجراءات. لدينا بالفعل نظام عمل ناجح. فلا تتحدثوا إلينا عن إدارة إجراءات العمل؛ فإننا مشغولون للغاية بتنفيذ استراتيجيتنا وتحسين أداء المنظمة وليس لدينا الوقت للقلق بشأن الإجراءات”.

قد تبدو هذه الآراء مبالغًا فيها، لكنها تمثل بصدق المخاوف تجاه الإدارة الفاعلة للإجراءات. في مقالتي السابقة، تحدثت عن “متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات”[3] كمرض خفي قد يكون ذو تكلفة أكبر وغير مرئية لأي منظمة.

تتعمق مشكلة التواصل  بشكل واضح عندما يتذرع المديرون بانشغالهم بتنفيذ الاستراتيجية وتحسين الأداء عن الاهتمام بالإجراءات، بينما يؤكد ممارسو الإدارة أن الإجراءات الفعالة هي نفسها التي تضع الاستراتيجية موضع التنفيذ وتسهم في تحسين الأداء.

ولصالح الجميع؛ علينا هدم هذا الحاجز في التواصل.

إليك بعض الطرق لتحقيق ذلك.

شرارة المسير: قيمة تلمسها الأنامل

يحتاج كل صانع قرار، وليست الإدارة العليا والقادة فحسب، إلى سبب جوهري يشعل حماسهم لبدء رحلة تحسين الإجراءات وإدامة زخمها. الأمر أشبه بمبادئ البيع الناجح: حدد القيمة التي تقدّمها. وكن حلًا للمشكلات، وليس عبئًا يضيف مشكلة جديدة.

بصمات الإنجاز: دع الأرقام تتحدث

لا شك أن أقوى وسيلة لدعم أفكار الإدارة القائمة على الإجراءات هي جعل فوائدها ملموسة جلية. وبعد تحقيقها، اجعلها تطنطن في مسامع الجميع. أطلق حملة تسويقية داخلية مستمرة ترفع من شأن الإنجازات.

تدرّج خطوة بخطوة: نجاحات متتابعة

تريّث قليلًا. فلن تصل القمة بقفزة واحدة، والإجراءات الكبيرة أو المفاجِئة قد يكون ضررها أكثر مما نفعها. لذلك عند البدء، اختر إجرائين أو ثلاثة إجراءات فقط واستعرض بها قصص نجاح ملهمة. اخترها بعناية وذكاء، ولا تُهمل الإجراءات المهمة وكذلك لا تُثقِل نفسك بالإجراءات المعقدة. ولا تنسى أن الهدف هو إضهار النتائج الإيجابية.

شفافية المصطلحات: لغة الإجراءات بلغة القلوب

اجتهد في توضيح لغة الإجراءات. اشرح المفاهيم الأساسية ببساطة. وتخلَّ عن المرادفات المعقدة فهي تشوش المقصود وتعقد الأمور. وثَّق مصطلحات الإجراءات واجعلها مرجعًا للجميع. ازرع عادة استخدام اللغة الصحيحة في المكان الصحيح والسياق المناسب.

صوِّب بوصلة التغيير نحو الأهم

استرشد بالمبدأ المحبوب لدى ممارسي الإجراءات في كل ما تفعل: مبدأ باريتو، أو قانون القلة القوية والكثرة الضعيفة: حدد الإجراءات القليلة المؤثرة، ومؤشرات أدائها، وأهدافها المحددة. ركز جهودك على صُنّاع القرار والمؤثرين الأكثر مساندة. مواردنا محدودة؛ فلنستثمرها بحكمة.

وعن الأثر، فلا نكفُّ عن الحديث…

التزموا بتحقيق القيمة التي وعدتم بها، ولا تتوقفوا عن تقديمها. ليكن نجاحكم صاخبًا، يلهم الجميع ويفتح لهم أبواب التميز. شاركوا أسرار تفوقكم، ومدّوا يد المساعدة لمن يسعون إلى تكرار مسيرتكم النيّرة.

المراجع:

[1] حلقة “لن تحقق النجاح بدون إدارة إجراءات العمل“، من بودكاست رواد الإجراءات

[2] اقتباس من سيدني شوجرمان

[3] مقالة: متلازمة الانتكاس عن الإجراءات

نهتم بإستقبال أي أسئلة أو إستفسارات