الهندرة (أو هندسة إجراءات العمل) هي عملية تحسين أداء المنظمات، عبر تطوير الإجراءات ووسائل الإنتاج، وتوظيف التقنيات الحديثة لتلبي حاجيات السوق. لكن أي عملية تطوير تحتاج قواعد أكاديمية، وتتبع خطوطا عريضة، يتم تجربتها وتحديثها باستمرار. لذلك كان من الأساسي، أن تتم دراسة الهندرة عبر قواعد علمية، يمكن تطبيقها في كل المؤسسات.
في هذه النشرة تتعرف إلى :
- مفهوم الهندرة
- تنظيم خلايا العمل
- هندسة إجراءات العمل
- تجارب عالمية
- إعادة هندسة تكنولوجيا المعلومات
- أتمتة إجراءات العمل
- الفرق بين الهندرة وتحسين إجراءات العمل
- تحديات تطبيق الهندرة
مفهوم الهندرة
ما هي الهندرة؟
تمثل الهندرة عملية دقيقة تهدف إلى إعادة تصميم إجراءات العمل، على غرار :
- زيادة القدرة الإنتاجية
- تحسين جودة الخدمات
- التقليل من تكاليف الإنتاج
عرفت الهندرة، منذ إنشاء هذا المصطلح عام 1990، عدة تطورات حثيثة بفضل الثورة التقنية. فتم نشر العديد من الدراسات والتقارير التي مكنت من تسليط الضوء على تحديات إدارة إجراءات العمل في المنظمات.
تم بناء مصطلح هندسة إجراءات العمل في اللغة العربية، من خلال دمج مصطلحي : الهندسة والإدارة، لتصبح هندرة.
يُعد المهندس الأمريكي مايكل هامر، الأب الروحي للهندرة. حيث ابتكر مفهوم الـBusiness Process Reengineering لوصف عملية إعادة تصميم إجراءات العمل بصيغة جذرية. ثم كتب مع جيمس آي تشامبي هندسة نظم العمل في المنظمات. لذلك يُعتبر هذا الكتاب أفضل مرجع أولي لفهم أساليب عملية الهندرة في خطواتها الأولى.
تنظيم خلايا العمل
أول حاجة تقتضي الالتجاء للهندرة في السوق العصرية، هي حل مشكل إجراءات العمل المركبة. في البداية، تكون إجراءات العمل بسيطة، ويقوم بها عدد قليل من الموظفين. لكن وبسبب زيادة عدد المهمات، وفرق العمل المتخصصة، تتحول إلى أعمال مركبة. فتنتقل المسؤولية من الأفراد إلى المجموعات التي يصعب تنظيمها، والإحاطة بها.
تحديات فرق العمل
فرق العمل تمكن المنظمات والمؤسسات من إنجاز المهمات المركبة، لكنها تحمل عدة سلبيات تجعل العمل على المدى الطويل صعبا ومنهكا:
- انعدام الثقة (منافسة داخلية، تواصل…)
- التوتر بسبب ضغط العمل
- صعوبة مشاركة المعلومات
- ضعف المشاركة الجدية
- انعدام الشفافية
- إهمال التفكير الاستراتيجي
- صعوبة تنظيم أوقات تسليم الأعمال
- صعوبة تغيير الإدارة
- العمل المنفصل (عقلية الصومعة)
- تضارب الرؤى
عقلية الصومعة (Silo Mentality)
هندسة إجراءات العمل
إجراءات العمل التقليدية قد تبدو من الوهلة الأولى فعالة وناجعة، لكن الفعالية مع التكاليف العالية تسبب في كثير من الأحيان ضعف مردودية المؤسسات. لذلك تقدم الهندرة حلولا مبتكرة لتخفيف عبء الإجراءات الروتينية وتقليص مدة الإجراءات الروتينية. ومن هذا المنطلق كان أساسيا أن يتم إعادة النظر في كل خطط العمل لمعرفة نقاط الضعف وأسباب التكلفة العالية.
نموذج هامر وشامبي
يعتمد كل إجراء عمل تقليدي على مجموعة من المراحل الأساسية التي تضمن تقديم الخدمة على أحسن وجه، فتمر السلع أو الخدمات بسلسلة من الإجراءات، الأمر الذي يزيد وقت الإنجاز وتكاليفه. لهذا تسهر الهندرة على جمع كل الإجراءات اللازمة لإنجاز الخدمة في مكان واحد، بهدف زيادة رضا متلقي الخدمة والتحكم في وقت الإنجاز.
حسب كتاب إعادة هندسة العمليات، نحتاج توفير 9 شروط أساسية لتطبيق هذا النموذج:
1. إدارة الجودة الشاملة ومواصفات ISO 9000
2. وضوح سياسات التطوير
3. دعم الإدارة العليا
4. ابتكار أساليب عمل جديدة
5. تطبيق هندرة الإجراءات لا هندرة الإدارات
6. هندرة فرق العمل
7. الابتكار في العمليات التنظيمية
8. دراسة البيئة التنظيمية
9. تقليل مقاومة الموظفين للتغيير
تجارب عالمية
توجد العديد من التجارب العالمية التي توثق انهيار بعض المؤسسات، وصعود أخرى بسبب اعتماد إجراءات غير مناسبة أو تأخير إعادة هندسة الإدارة. في الكثير من السرديات، يتم ربط انهيار كبريات الشركات بسبب خطأ بسيط. لكن في الحقيقة، التقييم غير المناسب أو الأخطاء الصغيرة، ليست سوى شجرة تخفي غابة من الصعوبات الإدارية والتنظيمية وحتى الاستراتيجية.
إهمال التطور التقني يقصي كوداك
في شتاء 2012 أعلنت شركة إيستمان كوداك عن إفلاسها، لتصبح بذلك واحدة من أشهر الأمثلة التي تقدم لدارسي علوم الإدارة والأعمال. الشركة عام 2000 كانت تبيع أكثر من 900 مليون فيلم فوتوغرافي (لتموين المصورات الفوتوغرافية) وتنافس شركات عالمية على غرار IBM و Apple. الشركة التي كانت تستحوذ على أكثر من 90% من السوق الأمريكية، رفضت اختراع المهندس ستيفن ساسون الذي كان يعمل معها. كوداك اعتبرت أن الكاميرا الرقمية ليست اختيارا مناسبا، لتفسح المجال واسعا أمام شركة سوني لتفتك نصيبها من السوق.
المنافسة بين الموظفين تعرقل رحلة نوكيا
عام 2007، كانت شركة نوكيا تستحوذ على 50% من قيمة السوق. كما كانت هواتفها تضمن لها أكثر من 50 مليار دولار من الإيرادات السنوية. لكن في غضون سنوات، خسرت نوكيا سوق الهواتف بطريقة درامية لصالح منافسين جدد على رأسهم آبل. القصة القصيرة لهذا الفشل هي اختيار الشركة للحفاظ على نظام سيمبيان بدل المرور لنظام أندرويد، لكن الحقيقة أعمق بكثير. سبب الاختيار انقساما بين المهندسين والمدراء في الشركة، الأمر الذي صعب عملية التواصل وتقييم الأداء، وحتى تظليل الدراسات الاستراتيجية التي تقوم بها الشركة لدراسة السوق.
الاختيارات الاستراتيجية التي يقوم بها أعلى هرم السلطة في كل مؤسسة، يكون مبنيا على رؤية شاملة وكل خلل هيكلي يسبب آثار وخيمة على مستقبل الشركات. لكن إجمالا يرى إيف دوز، الأستاذ الفخري للإدارة الاستراتيجية في إنسياد (المعهد الفرنسي للدراسات العليا في إدارة الأعمال)، ومدير برنامج إدارة الشراكات والتحالفات الاستراتيجية أن أسباب انهيار هواتف نوكيا تتمثل في:
- إدارة قرارات المؤسسة
- اختلال الهياكل التنظيمية
- البيروقراطية
- المنافسة الداخلية
المنافسة غيرت رؤية الشركة، ولم يعد الهدف الأساسي هو تقديم هاتف ذو قدرة تنافسية عالية، بل أصبح تبرير نجاح أو فشل نظام سيبيان أو آندرويد.
إعادة هندسة تكنولوجيا المعلومات
تكنلوجيا المعلومات (IT) هي عملية تطوير أنظمة المعلومات التي تعتمد على الحاسوب. وبسبب الطفرة المعلوماتية التي عرفها العالم في العقود الأخيرة، أصبحت الشركات العاملة في تكنلوجيا المعلومات تقود عمليات تشغيلية عملاقة، يشرف عليها ويأمنها الآلاف من الموظفين. هذه التجربة غير التقليدية أكدت على ضرورة تطبيق الهندرة.
بداية مع الشركات الكبرى
بدأت الشركات الكبرى عملية هندرة تكنلوجيا المعلومات، لتبني أدوات تطوير أسرع وأكثر كفاءة مع التحكم في وقت الإنجاز. ولأن ضبط إجراءات عمل في منظمة تظم الآلاف من الموظفين يمثل مهمة شاقة وتقريبا غير ممكنة عمليا، كانت الهندرة هي الطريقة الأمثل لتجاوز البيروقراطية والصعوبات التنظيمية.
التطبيق في الشركات الصغرى والمتوسطة
بعد نجاح الهندرة مع الشركات الكبرى، قام رواد الأعمال بتطبيقها في المؤسسات الصغرى التي حققت بدوراها نجاحات كبرى، وساعدت في تطوير الأداء، وتعزيز المردودية بصفة ملحوظة.
بيتر دراكر:
بيتر دراكر* مستشار وكاتب اقتصادي
“الهندرة ليست مشروعا؛ يجب أن تكون طريقة حياة”.
REENGINEERING is not a PROJECT; it must be a WAY of life
أتمتة إجراءات العمل
أصبحت الهندرة نشاطا تقليديا عند الكثير من الشركات الصغرى والمتوسطة، وعادة متبعة في الشركات الكبرى لضمان قدرتها التنافسية. لكن الخطوة الأكثر تميزا اليوم هي عملية أتمتة إجراءات العمل، لتصبح المنظمات قادرة على مراقبتها بطريقة متواصلة، والتأكد من نجاعة خططها على المستوى المتوسط والبعيد.
الهندرة وأتمتة إجراءات العمل
حسب أفروديت تسالغاتيدو، تمثل أدوات نمذجة العمليات التجارية (BPMTs) وإدارة نظم سير العمل (WFMSs) أكثر الأدوات رواجا لأتمتة إجراءات العمل. لكن هذا لا يمنع من استعمال أدوات أخرى من شأنها تطوير نظم العمل والتخلص من أي أعباء قد تثقل كاهل المنظمة.
الفرق بين الهندرة وتحسين إجراءات العمل
تشترك هندسة إجراءات العمل وتحسين إجراءات العمل وإعادة تصميم إجراءات العمل في عدة نقاط، لكن هذا لا يمنع الاختلافات الجوهرية بين هذه المنظومات. ورغم أن العمليات تهدف إلى تطوير الإجراءات وجعلها أكثر مرونة وفعالية، إلا أن هذا يتم بفلسفة مختلفة تميز بينها، وخاصة في وقت وآلية التحسين.
الاختلافات بين مشاريع تغيير إجراءات العمل
تختلف مشاريع تغيير إجراءات العمل في ما بينها حسب نوعية الإجراء، والتهديدات البيئية والرؤية الاستراتيجية للمنظمة. لذلك يكون اختيار المنظومة المناسبة مهمة دقيقة وتحتاج معرفة أكاديمية دقيقة.
تحديات تطبيق الهندرة
تطبيق مبادئ الهندرة على أرض الواقع يرتبط في أذهان الكثيرين بتسريح العمال، والضغط على التكاليف، بهدف زيادة المردودية. هذه الأفكار جعلت الهندرة مصطلحا مقلقا عند فرق العمل، خاصة أن إدارة إجراءات العمل العصرية، لا تجعل العمل يتوقف على شخص واحد، مهما كان موهوبا أو مجتهدا.
قضية تسريح العمال
لا تخلو أي منظمة من موظفين يتميزون بأداء متذبذب أو ضعيف، لكنهم يستطيعون الاختباء وراء عدد الموظفين الكبير، وتعقيدات إجراءات العمل. لكن عملية إعادة هيكلة المؤسسة يكشف ضعف مردوديتهم، أو إمكانية التخلي عنهم (حتى رغم اجتهادهم) عبر تطوير إجراءات العمل. لهذا أخذت الهندرة سمعة سيئة.
الهندرة بين النظري والتطبيقي
تعتمد هندسة إجراءات العمل أساسا على قبول الموظفين للتغيير. لكن في الكثير من الأحيان يكون تفاعلهم مع النظم الجديدة ضعيفا أو حتى سلبيا، خاصة إذا كان النظام الجديد سببا في تسريح زملائهم الذين اعتادوا العمل معهم. لهذا كانت الحاجة ماسة لاختيار مستشارين وميسرين أكفاء وقادرين على تشجيع الموظفين على قبول التغيير بطريقة سلسلة واحترافية.
المصادر
1. الإدارة واتجاهاتها المعاصرة: وظائف المدير، زيد منير عبوي.
2. الهندرة: هندسة العمليات الإدارية، محمد سعيد.
3. قضايا معاصرة في الإدارة، د. محمد مفضي الكساسبة، د. عبير حمود الفاعوري.
4. Re-engineering and automation of business processes: criteria for selecting supporting tools, Aphrodite Tsalgatidou, Mara Nikolaidou.