نشرات

أثر الكوبرا

قصص مؤسفة وآليات فعالة لتحسين الإجراءات دون الوقوع في فخ الكوبرا

أغسطس2021
تحميل بصيغة pdf

أثر الكوبرا – تقوم المنظمات والشركات بوضع خطط لتحسين الإجراءات بهدف تطوير الوضع الراهن، والوصول إلى الوضع المأمول، لكن في الكثير من الأحيان يكون لتحسين الإجراءات أثر سلبي خاصة إذا كانت عمليات التحسين غير مبنية على أسس علمية، ودون العودة بالنظر إلى الخبراء والمتخصصين، الأمر الذي يكلف المنظمات موارد أكثر حتى من تحديات الوضع الراهن.

 

في هذه النشرة:

  1. نبذة عن أثر الكوبرا
  2. قصص أثر الكوبرا في ست مجالات
  3. تجنب أثر الكوبرا.. هل هو ممكن؟
  4. أنظمة إدارة الإجراءات ومنهجيات التحسين

 

1. نبذة عن أثر الكوبرا

 

ما هو أثر الكوبرا؟

أثر الكوبرا (Perverse incentive) تسمية اصطلاحية للحلول التي تكون نتائجها أسوأ من المشكلة التي كان يُراد حلها، وقد أصبح المصطلح أكثر شهرة بعد أن نشر الاقتصادي الألماني هورست سيبرت كتاب «تأثير الكوبرا: كيفية تجنب الحلول السيئة في السياسة الاقتصادية».

 

أصل التسمية

وصف الاقتصادي الألماني هورست النتائج غير المرغوب فيها بـ «أثر الكوبرا» اعتمادًا على قصة يُروى أنها حدثت أيام الاحتلال البريطاني للهند، إذ أرادت الحكومة البريطانية تسريع عملية القضاء على الأفاعي المنتشرة في المدن الكبرى، وتخفيف حوادث اللدغ. ولهذا، رصدت الحكومة جائزةً تُمنح لكل من يأتي بثعبان ميت. لكن، سرعان ما قام الأهالي بتربية الأفاعي ثم قتلها للحصول على الجائزة!

بعد أن تفطنت الحكومة لتصرف الأهالي، توقفت عن توزيع الجوائز، الأمر الذي جعل السكان يطلقون سراح الأفاعي التي كانوا يربونها، ليزداد الوضع سوءًا.

أصل تسمية أثر الكوبرا

 

2. قصص أثر الكوبرا في ست مجالات

 

يواجه المدراء التنفيذيون مجموعة كبيرة من التحديات والضغوط التي قد تجعلهم يواجهون نتائج غير متوقعة، خاصة إذا كانت القرارات غير مبنية على دراسة معمقة للوضع الراهن. فيما يلي، ست قصص في ست مجالات مختلفة، جاءت القرارات غير المدروسة فيها بعكس النتائج المرجوة.

 

في مجال الحياة الفطرية

 

(1) قصة فئران هانوي

شهدت مدينة هانوي (عاصمة فيتنام) تحت الاحتلال الفرنسي تجربة أثر الكوبرا، لكن –هذه المرة- مع الفئران، إذ عانت الإدارة الفرنسية بسبب كثرة الفئران في المدينة، وباءت كل جهود مكافحتها بالفشل. لذلك، قررت الحكومة الفرنسية تقديم مكافآت لكل من يقوم بقتل فأر وتقديم ذيله لأحد المكاتب الموزعة في المدينة، بهدف تسريع عملية تطهير المدينة من القوارض.

بمرور الوقت، لاحظ الضباط الفرنسيون وجود فئران دون ذيول تتجول في المدينة، ليتضح أن الأهالي كانوا يقومون بقطع ذيولها وتركها حتى تتكاثر للحصول على الجوائز مرة أخرى!

 

 

أثر الكوبرا – فئران هانوي

 

 

في مجال البيئة

 

(2) قصة تلوث الهواء في مكسيكو

قامت حكومة مكسيكو بفرض قانون يمنع تنقل 20% من السيارات في العاصمة المكسيكية بسبب تلوث الهواء. القرار الجديد منع تجول السيارات على الطرقات بين يومي الاثنين والجمعة حسب رقم لوحة السيارة، على أمل التقليص من انبعاث الكربون في المدينة.

لكن، يبدو أن هذا القرار البريء سبب زيادة الانبعاثات، حيث اشترى السكان سيارات ثانية للتنقل بها في اليوم الذي لا يستطيعون استعمال سياراتهم. كما أن السيارة الثانية كانت في أغلب الأحيان سيارة مُستعملة وقديمة الأمر الذي يجعلها سببًا أكبر للتلوث.

بعد ثلاثة سنوات، أعلنت الأمم المتحدة أن مكسيكو هي أكثر المدن تلوثًا على الكوكب. وكشفت عدة تقارير أن محاولة تقليل السيارات في الطرق سبب زيادة كبيرة في عدد السيارات وارتفاعًا في مستويات الكربون إلى 13%.

 

في مجال الطاقة المتجددة

 

(3) الطاقة المتجددة في أيرلندا الشمالية

 

عام 2012، قامت أرلين فوستر (الوزيرة الأولى لأيرلندا الشمالية) بتبني برنامج لتشجيع الشركات على التوجه نحو اعتماد الطاقة المتجددة في التدفئة، لكن هذا البرنامج أصبح يكلف الحكومة أكثر من 490 مليون جنيه إسترليني، وهو رقم يتجاوز تكاليف مصادر الطاقة العادية بمراحل.

وبعد عدد من التحقيقات الاستقصائية، اكتشفت الحكومة أن الشركات التي استفادت من هذا البرنامج تقوم بتدفئة مبانٍ فارغة للحصول على الدعم! فقيمة الدعم أكبر بكثير من قيمة استئجار المباني وتدفئتها بالطاقة الخضراء.

 

أثر الكوبرا يعني الحصول على نتيجة غير مرغوب بها لتصبح هي الوضع الراهن الجديد الأمر الذي يُعقد عمليات الإصلاح ويجعل تحقيق الوضع المأمول مهمة أصعب

 

في مجال البحث والتنقيب

 

(4) الأحافير المتحجرة في مدينة جاوا

كشف عالم المستحاثات الألماني غوستاف هنريك رالف في كتابه «رجل جاوا»، عن تجربته الصعبة في جمع الأحافير، حيث كان يقوم بالبحث عنها بمفرده، لكنه رأى أن يطور العمل عبر الاستعانة بالأهالي لجمع المستحثات، فأصبح يقدم مبلغًا ماليًا ثابتًا مقابل كل مستحاثة يجدها الأهالي.

بعد أشهر من العمل المضني، وجد أنهم يقومون بكسر المستحاثات إلى قطع صغيرة لمضاعفة أرباحهم، الأمر الذي جعل عمله أصعب وتكاليفه أكبر.

 

أثر الكوبرا في قصة جمع المستحاثات

 

في مجال التعليم

 

(5) قبول الطلاب في جامعة تكساس

عام 1997، أقر المجلس التشريعي لولاية تكساس قانونا يمكّن 10% من أفضل طلاب المدارس الثانوية من الالتحاق بالجامعات العريقة في الولاية على غرار جامعات أوستن و A&M بهدف تحسين عملية اختيار الطلاب وإعطاء فرص أكبر للطلاب من المدارس الأقل حظًا.

هذا القانون جعل نسبة كبيرة من الطلاب ينتقلون من المدارس الثانوية عالية التحصيل إلى مدارس ثانوية ذات تحصيل ضعيف لضمان مقعد في أكبر الجامعات.

الأمر الذي أثر سلبًا في التعليم الثانوي وقضى على حظوظ الطلاب في المدارس الثانوية الأقل تحصيلًا.

 

في مجال الإنتاج الصناعي

 

(6) إنتاج الزجاج في الاتحاد السوفيتي

 

هذا المثال واحد من أشهر أمثلة فشل تحسين الإجراءات، وعدم اعتماد الضوابط اللازمة لتطوير الإنتاج، الأمر الذي يجعل النتائج معاكسة للتوقعات.

لتحسين إجراء تحفيز مدراء معامل الزجاج، قام الاتحاد السوفيتي بوضع لائحة تُقرر صرف الحوافز والمكافآت للمدراء حسب وزن الزجاج الذي ينتجه كل معمل.

وبسبب هذا القرار، أصبح الزجاج الذي يتم إنتاجه في الاتحاد السوفيتي سميكًا جدًا، لدرجة تصعب الرؤية من خلاله.

حيث وجه مدراء المعامل بزيادة سمك الزجاج المنتج ليزيد وزنه، ويحصلوا على مكافآت أعلى.

لمواجهة هذا الخطأ الفادح، وجهت الإدارة السوفيتية بتوزيع الحوافز على المدراء حسب مساحة الزجاج المُنتج، على أمل عودة الأمور إلى نصابها.

لكن سرعان ما أصبحت معامل الزجاج تنتج زجاجًا رقيقًا وهشًا للغاية، للحصول على أكبر مساحة ممكنة من نفس كمية المواد الأولية.

وفي الحالتين لم يكن في القرارات الصادرة أي ضوابط لمواصفات الزجاج الذي تُنتجه المعامل.

 

أثر الكوبرا في تحسين إجراء صرف مكافآت المدراء

 

 

3. تجنب أثر الكوبرا.. هل هو ممكن؟

 

كل محاولة غير مدروسة قد تسبب حدوث  أخطاء على غرار أثر الكوبرا، فتكلف المنظمات والشركات الكثير من الوقت والجهد والموارد.

لذلك، فإن المتخصصين في تحسين الإجراءات، يعملون على:

  • فهم الوضع الراهن وتصوّر الوضع المأمول
  • تحليل المشكلة إلى أسبابها الجذرية
  • تصميم الحلول الممكنة بالتشارك مع جميع الأطراف المعنية (أصحاب المصلحة)
  • بناء مصفوفة معايير تساعد في اختيار أفضل الحلول
  • دراسة الحلول الممكنة وآثارها واحتمالات نجاحها وإخفاقها
  • اختيار الأفضل من الحلول
  • بناء خطة واضحة متفق عليها لتنفيذ الحل
  • التوصية بالمراقبة الدائمة لضمان استمرار سير الإجراء وفق المأمول

 

إن اتباع منهجية من المنهجيات التي تلتزم بهذه النقاط، يجنبنا –بإذن الله- عدة أخطاء، قد تؤدي بنا إلى أن نكون قصة جديدة من قصص أثر الكوبرا لا قدّر الله.

من تلك الأخطاء:

  • معالجة أعراض المشكلة لا أصولها وجذورها
  • التسرع في اقتراح الحلول قبل التحليل الكافي للمشكلة
  • وضع حلول دون دراسة احتمالية نجاحها والآثار المترتبة عليها
  • وضع حلول دون إشراك الأطراف المعنية
  • بناء خطة تنفيذية دون الاتفاق عليها مع المعنيين بالتنفيذ

 

 

4. أنظمة إدارة الإجراءات ومنهجيات التحسين

 

نشر مارك غيرشون الباحث بجامعة تيمبر في بنسيلفينيا، ورقات بحثية قارن فيها بين أهم المنهجيات العلمية العالمية المُعتمدة في إدارة الإجراءات وتحسينها، مع توضيح الفوارق بينها بصفة عامة.

على متخصص الإجراءات أن يختار المنهجية الأنسب للمنظمة وللفريق وللمشكلة.

 

إدارة الجودة الشاملة (Total Quality Management)

اعتبر غيرشون إدارة الجودة الشاملة (TQM) أم كل المنهجيات اللاحقة لتحسين الإجراءات، حيث تعتمد على مبادئ ديمنغ الـ 14 لإدارة الجودة. كما تبنت فلسفة تتضمن 4 مجالات رئيسية:

  • المسؤولية الإدارية للتحسين المستمر
  • التركيز على إجراءات العمل لتحقيق التحسينات
  • استخدام الإحصائيات لقياس أداء الإجراءات
  • إشراك الموظفين وتمكينهم

 

منهجية الستة سيجما

الستة سيجما منهجية تحتوي على باقة من الوسائل والأدوات والتقنيات لتحسين الإجراءات. طور عملاق الاتصالات الأمريكي موتورولا عام 1986 منهجية الستة السيجما بناء على منهجية إدارة الجودة الشاملة للحصول على أفضل النتائج وبهدف:

  • قياس حجم العوائد المالية
  • وضع إدارة قوية ودقيقة
  • تركيز نظام الأحزمة للتشجيع على تحسين الموظفين
  • اتخاذ القرارات بالاعتماد على الحقائق والبيانات بدل التخمين والافتراض

 

منهجية SprintPIP

استطاع فريق البحث والتطوير في ES-Consulting بالتشارك مع خبراء عالميين تطوير منهجية SprintPIP التي تتسم بـ

  • السرعة في إنجاز عملية التحسين
  • استخدام أساليب التيسير التي تساعد في إشراك المعنيين
  • استخدام الوسائل البصرية المساعدة في جمع وتنظيم البيانات
  • إضافة مرحلة للتخطيط الجماعي بدل الاكتفاء بتصميم الحلول

 

منهجيات ونظم أخرى

توجد منهجيات ونظم أخرى لإدارة الإجراءات وتحسينها مثل:

  • الهندرة (الهندسة الإدارية): عملية تحسين أداء المنظمات، عبر تطوير الإجراءات ووسائل الإنتاج، وتوظيف التقنيات الحديثة لتلبي حاجيات السوق.
  • منهجية لين (Lean Thinking) : تهدف إلى توفير طرق جديدة للتفكير في كيفية تنظيم الإجراءات للحصول على منفعة إضافية وقيمة أعلى للأفراد والحد من الهدر.
  • أيزو 9000: نظام إداري معترف به رسميًا في الاتحاد الأوروبي، تُعدّ الإجراءات أحد أركانه.

 

المصادر

1. Business Process Change, A Guide for Business Managers and BPM and Six Sigma Professionals; Paul Harmon.

2. Choosing Which Process Improvement Methodology to Implement; Mark Gershon.

3. Review of Business Process Improvement Methodologies in Public Services; Dr Zoe Radnor.

4. Business process improvement methodology based on business process modelling: Case study from healthcare sector; Faisal Aburub.

5. أمسيات الإجراءات التي تقدمها ES Consulting للاستفادة من خبراء إدارة وتحسين إجراءات العمل.

 

نهتم بإستقبال أي أسئلة أو إستفسارات