ملخص النشرة
العديد من المشاريع تواجه مشكلةً تهدّد نجاح التحوّل إلى نهج [الإدارة المعتمدة على الإجراءات]، يسمي الكاتب هذه المشكلة بـ متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات، ويصف في هذه النشرة علاماتها وأسبابها، ويقترح العديد من الحلول الفعالة للحد من آثارها أو منع ظهورها.
هذه النشرة هي ترجمة بشيء من التصرف لإحدى مقالات خبير الإجراءات العالمي روجر تريقير، وهي مقالة بعنوان:
Process Reluctance Syndrome
دعوة للتخيّل
- تخيّل أنك تقف على عتبة باب الطائرة لتجرّب القفز بالمظلة، بعد أن أنهيت التحقق من كل إجراءات الأمان، وقضيت ساعات في التدريب، وأشعلت فتيل الحماس والإثارة، وتلقّيت إشارة الاستعداد، وحصلت على الضوء الأخضر للقفز. لكنك في اللحظة الأخيرة، تتراجع وتعود إلى الطائرة!!
- أو تخيّل أنك تسلّقت سُلّم القفز إلى المسبح الدولي، السلم طويل، إلا أنها اللحظة التي لطالما فكرّت فيها وتدرّبت عليها وتطلّعت إلى تجربتها منذ سنوات، وكل ما عليك فعله الآن هو المشي إلى حافة لوح القفز، وتطبيق ما تعلمته عمليًا. لكنك -فجأة- تتراجع وتقرر أن لا تفعلها!!
- تخيّل الآن أنك بنيت هيكلية إجراءات المؤسسة، وحدّدت بعض الإجراءات الرئيسية، ووثّقتها، وناقشت دور ملّاك الإجراءات، وصممت مؤشرات الأداء الرئيسية، وأصبح كل شيء جاهزًا للتحوّل إلى طريقة [الإدارة المعتمدة على الإجراءات]. لكنك -في اللحظة الأخيرة- تتراجع، وتقرر الاكتفاء بنمذجة الإجراءات أو تحليلها.
في الواقع، عادة ما يفشل التحوّل المستدام إلى إدارة الإجراءات بوصفها أسلوب إدارة مؤسسية، نتيجة التردد في تطبيق التغيير. وعلى الرغم من عقد المناقشات وإثبات فائدة إدارة الإجراءات من الناحية النظرية، تبقى الخطوة التالية في الممارسة العملية صعبة، خلافًا للتوقعات.
فلا نقفز، ولا نسبح، ولا نتحوّل.
قد يكون رسم المخططات على السبورة سهلاً، لكن إجراء تغييرات حقيقية على ممارسات الإدارة التشغيلية يماثل خطوة القفز من الطائرة أو لوح المسبح الدولي. لكن تبقى فوائد التغيير جليّة، فهو الهدف المنتظر، ولا مجال للتراجع بعد التنفيذ.
لمحة عامة عن متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات
تُمثّل متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات السبب الرئيسي لضياع الفرص في المنظمات في جميع أنحاء العالم، ولعلّها أيضًا إحدى أكبر التكاليف الخفيّة في كل منظمة.
تُعرَّف متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات بأنها الخوف (المزمن أحيانًا) من عواقب التحوّل إلى [الإدارة المعتمدة على الإجراءات]، ولعلّ العرَض الرئيسي هو: تلاشي الحماس بشأن إدارة الإجراءات بعد وضع استثمارات هدفها تضمينها في العمليات التنظيمية والثقافة.
هذه المشكلة، يمكن تجنب أسبابها، وعلاج آثارها، والتغلب على المخاوف المرتبطة بها.
أعراض المتلازمة
لعلّ العلامة والعرَض الأكثر شيوعًا لمتلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات هو تراجع الاهتمام بتحصيل الفوائد العظيمة لـ [الإدارة المعتمدة على الإجراءات]، في حين أن مشاريع التأسيس (التي تشمل على بناء هيكلية الإجراءات، ومخططات قياس أداء الإجراءات، وإطار الحوكمة) قد تمرّ بسلام، فهي لا تتطلب سوى قليل من الالتزام الجاد.
تظهر متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات بعد بناء الهيكلية ووضع مؤشرات الأداء والحوكمة، وعند محاولة التحوّل إلى [الإدارة المعتمدة على الإجراءات]، وتشمل أعراضها ما يلي:
- انعدام الحماس فيما يتعلق بإدارة إجراءات العمل، والإحساس بالخوف والغموض والشك بشأن الخطوات التالية.
- الشعور بأن إدارة إجراءات العمل أصبحت مكتملة وافتراض إمكانية العودة إلى الوضع الراهن.
- تضاؤل الالتزام التنفيذي (أو ربما إدراك أن الالتزام كان غير كافٍ، إذا كان حسن النية).
- التردد في مواصلة جمع بيانات أداء الإجراءات وتحليلها بفعالية.
- إنكار أن الهدف الحقيقي هو ترسيخ ثقافة «البحث المستمر عن المشكلات».
- عدم تحديد أولويات منصب مالك الإجراء.
- الإحجام عن قبول ممارسة التضمين، وإعطاء الأولوية لمجموعة إضافية من مقاييس الأداء.
أسباب المتلازمة
يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية لمتلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات فيما يلي:
1- النظرة القاصرة
النظرة القاصرة لفكرة التحوّل إلى [الإدارة المعتمدة على الإجراءات]، والتعامل معها على أنها مشروع، بدل النظر إليها على أنها نهج إداري جديد. فعندما ينتهي العمل على «المشروع» ينتهي دور «إدارة إجراءات العمل».
2- الإفراط في النمذجة
الحرف (M) في الاختصار (BPM)، هو اختصار لكلمة (Management) وليس (Modeling) !! إغفال هذه الحقيقة البسيطة والمهمة قد يؤدي إلى التركيز غير المبرر على نمذجة الإجراءات وتوثيقها، وتجنب الحاجة الضرورية لتحسين الأداء.
3- ضعف التواصل
يمثّل التحوّل إلى [الإدارة المعتمدة على الإجراءات] وإلى مفهوم [الإجراءات العابرة للوحدات الإدارية] تغييرًا كبيرًا. التفكير في المنظمة بدل التفكير في الوحدة الإدارية، والعمل التعاوني بين الوحدات الإدارية لتحسين الأداء، والبحث المستمر عن المشكلات (عن فرص التحسين)، كلها مفاهيم ثورية في العديد من المنظمات، وقد يؤدي ضعف التواصل إلى سوء الفهم، وإلى النزاع وعدم الرضا في النهاية.
4- التركيز على التقنية
التركيز على الحلول التقنية بدل التركيز على نتائج تحسين الأداء، قد يصرف الانتباه عن الهدف الحقيقي لـ [الإدارة المعتمدة على الإجراءات]، وهذا يعود بنا إلى الفرق بين نظرة النهج الإداري ونظرة المشروع.
5- عدم التركيز على الثقافة
تقليل أهمية الحاجة إلى تغيير الثقافة، يقوّض التحوّل إلى إدارة مستندة إلى الإجراءات.
6- ضعف مشاركة القيادات
انخفاض مستويات مشاركة القياديين التنفيذيين يؤدي إلى سوء الفهم وضعف الالتزام، ما يعني أن إدارة إجراءات العمل لا تحظى بالأولوية المناسبة.
علاج المتلازمة
هناك العديد من الحلول الفعالة للحد من آثار متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات أو منعها، منها:
1- إظهار الفائدة
إظهار الفائدة هو الحل الأكثر فعالية للمتلازمة، فهناك تناسب عكسي بين الفوائد المتحققة ودرجة الانتكاس. يُعدّ تحقيق فوائد على المستوى المؤسسي مثبتة وذات قيمة أحد أفضل حلول متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات.
2- إثبات المصداقية
إثبات المصداقية حل فعّال أيضًا؛ فهناك إجراء اسمه [العناية بإجراءات المنظمة]، ويجب إدارته وتحسينه بالطريقة نفسها المتّبعة مع الإجراءات الأخرى، وإذا ثبتت فعالية هذه الطريقة مع هذا الإجراء، فهذا يعزز مصداقيتها مع بقية الإجراءات.
3- اختيار أحد القياديين سفيرًا لأحد الإجراءات
من المرجح أن تظهر متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات بدايةً في المستويات الإدارية العليا، ثم تنتشر بسهولة بين كبار صانعي القرار والقادة. العلاج الناجح لهذا الانتشار السلبي، هو اختيار سفير إجراء واحد على الأقل من كبار القياديين التنفيذيين. وهو حل طويل الأجل لا بدّ من التخطيط له وتنفيذه بعناية لتحقيق أقصى قدر من التأثير.
4- التواصل
التواصل حل مثالي أيضًا، فـ [الإدارة المعتمدة على الإجراءات] جديدة، وتشكّل تحديًا صعبًا للغاية بالنسبة للكثيرين. كما يمثّل التحيّز المعرفي مشكلةً بارزة ينبغي التصدي لها بوعي. خطة التواصل ليست مجرد تقديم عرض تقديمي، بل يجب تحديد الجمهور المستهدف بدقة، واستخدام قنوات متعددة، وجعل عملية التواصل عملية دائمة. ويجب أن يكون القياديون التنفيذيون تحديدًا قادرين على تقديم العروض التقديمية وليس مجرد الاستماع إليها.
5- نشر القدرات في المنظمة
أحد أهم حلول متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات هو تمكين نشر قدرات الإجراءات في جميع إدارات المنظمة. باختصار، لا بدّ من إسناد جميع أعمال تحليل الإجراءات وإدارتها إلى أشخاص خارج فريق التميّز المؤسسي وخارج فريق مكتب الإجراءات، فالمنظمات التي تتعامل مع الإجراءات على أنها مسؤولية فريق معين (اسمه مكتب الإجراءات مثلاً)، تكثر فيها المتلازمة.
6- التدرج
مما يحفز المتلازمة، كثرة الأمور التي يجب تغييرها، مما يجعلها وكأنها جبل جليدي يذوب بسرعة، فيؤدي ذلك إلى الاقتناع باستحالة النجاح، فلماذا نحاول إذن؟! وللتغلب على هذه العقلية، نفّذ [الإدارة المعتمدة على الإجراءات] تدريجيًا، اختر عددًا قليل من الإجراءات في كل مرة، وطوّر المهارات، واضبط الأنظمة، وأظهر الفوائد المتحققة، وعالج المخاوف، وشجع المشاركة، ثم كرر التجربة.
الترغيب بالإجراءات
يجب وأد متلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات من جذورها فهي:
- تحرم المنظمات فرصة تحقيق التميّز في تكوين المنفعة وتوصيلها للمستفيدين، فتخسر بذلك فرصة تعزيز تجربة الزبائن.
- تعوق تحسين كفاءة التكاليف التنظيمية، ما يجعل الهدر مستدامًا، ويزيد التكاليف.
- تُضعف قدرة المنظمة على اكتشاف العمليات الأعلى أثرًا التي يعتمد عليها الأداء العام، ما يشكّل عائقًا كبيرًا أمام تحوّل الأداء.
- تُفقد المنظمة قدرتها على إدارة للمخاطر، بسبب غياب الرؤية التفصيلية الواضحة للإجراءات، مما يُفقدها فرصة تعزيز المرونة المؤسسية.
ختامًا، يمكن التصدي لمتلازمة الانتكاس عن إدارة الإجراءات من خلال نشر متلازمة الترغيب بإدارة الإجراءات.